جامع السلطان أحمد ( بالتركية: Sultanahmet Camii ) هو مسجد تاريخي في اسطنبول، أكبر مدينة في تركيا وعاصمة الدولة العثمانية (من 1453 إلى 1923). المسجد يشتهر بإسم المسجد الأزرق نسبة إلى البلاط الأزرق الذي يزين حوائطه، حيث تغطي جدران المسجد 21043 بلاطة خزفية تجمع أكثر من خمسين تصميماً، وتشغل الزخارف المدهونة كل جزء من أجزاء المسجد، وقد أضفى لونها الأزرق على جو المسجد من الداخل إحساسًا قويًا بسيطرة هذا اللون.[1]
النمط المعماري إسلامي، أواخر الفترة العثمانية الكلاسيكية واكتمل البناء عام 1616 ميلادي
المواصفات السعة10,000 مصلي الطول72 مترالعرض 64 متر ارتفاع القبة (الخارجي)43 متر ارتفاع المآذن 6 متر
تم بناء المسجد ما بين عام 1609 و 1616 أثناء حكم السلطان العثماني أحمد الأول، وكالعديد من المساجد الأخرى يضم المسجد مقبرة للسلطان أحمد، مدرسة للتعليم الديني ومستشفى للعجزة، والمعاقين وغيرها. ما زال المسجد تؤدى فيه الصلوات، وهو من أهم المعالم التي تجذب السياح لتركيا .
تاريخ المسجد
ميدان هيپودروم القسطنطينية القديم -ميدان السلطان أحمد حاليًا- ويظهر فيه المسجد الأزرق على اليسار، لوحة رُسمت بواسطة جان-باتيست ڤان مور، في النصف الأول من القرن الثامن عشر.
بعد عقد معاهدة زيتڤاتوروك والنتيجة غير المرغوبة في الحروب مع الدولة الصفوية، قرر السلطان أحمد الأول بناء مسجد ضخم في اسطنبول، حيث كان أول مسجد سلطاني يُبنى منذ أكثر من أربعين عاماً. بينما كان السلاطين السابقين يعملوا على دفع المال لبناء مساجدهم اعتمادًا على غنائم الحروب، قام السلطان أحمد بسحب أموال من خزانة الدولة لبناء المسجد، وذلك لعدم إحرازه أي نصر يذكر على أعدائه، مما عمل على إثارة غضب علماء الدين.
بناء المسجد كان لابد أن يتم في مكان قصر الأباطرة في مواجهة آيا صوفيا ( والذي كان في ذلك الوقت أكبر مسجد في اسطنبول ) وهيپودروم القسطنطينية، المكان الذي كان يحمل أهمية رمزية كبيرة كمركز ثقافي ورياضي للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في الماضي . أجزاء كبيرة من الجزء الجنوبي من المسجد مُقامة على أساس ومدافن القصر العظيم. العديد من القصور كانت مبنية بالفعل هناك، أكثرهم شهرة قصر صقوللي محمد پاشا، لذلك استلزم شراؤهم أولًا بثمن باهظ، والقيام بازالتهم بعد ذلك. أجزاء كبيرة من السفندون ( المنبر المقوس ذي البنية على شكل حرف U من الهيپودروم ) تمت ازالتها لافساح المجال للمسجد الجديد.
بناء المسجد بدء في أغسطس 1609 عندما أتى السلطان أحمد بنفسه وقام بأول ضربة فأس في بناء المسجد؛ وبهذا العمل أوضح نيته لأن يكون هذا المسجد هو الأول في دولته، حيث قام بتعيين صاحب السمو الملكي المهندس صدفكار محمد آغا تلميذ ومساعد المهندس المشهور معمار سنان ليكون مسئولًا عن البناء. تنظيم العمل تم وصفه بصورة دقيقة التفاصيل في 8 مجلدات، وهي حاليًا موجودة بمكتبة قصر طوپ قپو. جرت مراسم الافتتاح في عام 1617 ( على الرغم من أن الكتابة المنقوشة على باب المسجد تقول 1616). لم يكتمل بناء المسجد في السنة الأخيرة من فترة حكم السلطان أحمد الأول، وقام بدفع التكاليف الأخيرة لاستكمال البناء خليفته مصطفى الأول. ويعتبر المسجد الأزرق واحد من أروع الآثار في العالم.
صورة المسجد وضعت على العملة التركية من فئة 500 ليرة في الفترة بين عامي 1953 و 1967 .[2]
تصميم المسجد هو ذروة نتاج قرنين من تطوير مساجد الدولة العثمانية و كنائس الإمبراطورية البيزنطية . ففيه يظهر الدمج لبعض العناصر البيزنطية في التصميم من كنيسة آيا صوفيا الموجودة بجانبه، بالإضافة لعناصر العمارة الإسلامية التقليدية، حيث يُعتبر آخر أكبر مسجد يُجسد العمارة العثمانية . قام المهندس المصمم للمسجد بتطبيق أفكار أستاذه سنان بدقة شديدة والذي كان يهدف لجعله ضخم ,فخم و عظيم ولكنه أفتقر إلى هذا النوع من التفكير الإبداعي للمسجد من الداخل .
مساحة المسجد
تخطيط للمسجد والأبنية الملحقة به[3]
1. المسجد
2. المدرسة القرآنية
3. الضريح
4. المدرسة الإبتدائية
5. الجناح الملكي
6. الهيپودروم
7. الحديقة
8. بازار
وتبلغ مساحة المسجد ما يعادل 64 × 72 مترًا ، وقطر قبته 23.50 مترًا ، ويبلغ ارتفاعها 43 مترًا، وترتكز على أربع دعائم إسطوانية، قطر الواحدة منها خمسة أمتار .
المظهر الخارجي للمسجد
ساحة المسجد من الداخل وتظهر فيها المئذنتان الخامسة والسادسة في زاوية القباب
الرواق المعمد
الواجهة الأمامية الفسيحة لفناء المسجد بُنيت على نفس نمط واجهة مسجد السليمانية، باستثناء إضافة المئذنتان في زاوية القباب. فناء المسجد يبلغ في مساحته مساحة المسجد نفسه من الداخل وهو محاط برواق معمد متصل تعلوه مجموعة من القباب الصغيرة، ويوجد على جانبيه مكان للوضوء. أما بالنسبة للنافورة السداسية في المنتصف فهي صغيرة نوعًا ما مقارنة بحجم الفناء. البوابة الضيقة التي تصل بك لفناء المسجد تبرز من الخارج بصورة معمارية فنية، حيث تحتوي على مقرنصات تزين مدخلها وفي أعلاها قبة صغيرة.
سلسلة حديدة ثقيلة مُعلقة في الجزء الأعلى من مدخل الساحة في الجزء الغربي. فقط السلطان هو من كان يستطيع دخول هذه المنطقة ممتطيًا جواده. السلسلة الحديدة كانت موضوعة في ذلك المكان، وكان السلطان يعمل على إيماءة رأسه كل مرة يدخل فيها ساحة المسجد، كي لا تصطدم بالسلسلة. هذه الإيماءة الرمزية من السلطان لتأكيد تضآئل الحاكم مقارنة بعظمة الإله.
من الداخل
مكان الصلاة بالمسجد تعلوه ثرايا متدلية من السقف
الأقراص الزرقاء المكتوب عليها آيات من القرآن والتي تزين المسجد
تغطي جدران المسجد 21043 بلاطة خزفية، مصنوعة يدويًا في مدينة إزنيك (نيقية قديمًا) بأكثر من خمسون تصميم مختلف لأزهار الزنبق. البلاطات الموجودة في الأجزاء السفلى من المسجد ذات تصماميم تقليدية، بينما في الأجزاء العليا من المسجد نجد تصاميمها مزخرفة بأشكال من الأزهار، الفواكه وأشجار السرو. صُنعت البلاطات بإشراف رئيسا الخزافون في إزنيك جزار حاجي وباريس أفندي من أڤانوس (قپادوقيا). السعر الذي تم دفعه لكل بلاطة حُدد بمرسوم من السلطان، وبصورة عامة ومع مرور الوقت زاد سعر هذه البلاطات. وللمحافظة على ثبات السعر الذي تم تحديده إنخفضت جودة البلاطات المستخدمة في البناء تدريجيًا. ألوان البلاطات بهتت وتغيرت مع مرور الوقت (تحول الأحمر لبني والأخضر تحول لأزرق به بقع بيضاء). البلاطات في الشرفة الخلفية للمسجد هي بلاطات معاد تصنيعها من بلاطات قسم الحريم في قصر طوپ قپو، والتي تعرضت للتلف بالنيران عام 1574.
الأجزاء العليا من المدخل يسيطر عليها اللون الأزرق ولكن بجودة ضعيفة. أكثر من 200 زجاجة ملونة بتصاميم معقدة تتيح الضوء الطبيعي للدخول منها، واليوم يتم الإستعانة بالمصابيح الموجودة في الثريا المتدلية من السقف للمساعدة على الإنارة. كان يوجد في الثريا بيض النعام الذي كان يوضع لمنع العناكب والحشرات وصدهم والتي إستخدمها أيضًا سنان في مسجد السليمانية [4]. الزخارف في المسجد تشمل آيات من القران، العديد منها كٌتبت بواسطة سيد قاسم غباري باعتباره أكبر وأعظم الخطاطين في ذلك الوقت. الأراضي مفروشة بالسجاد التي يتم التبرع به من قبل المؤمنين، ويتم إستبدالها بانتظام لتعرضها للتآكل. العديد من النوافذ الواسعة الكبيرة تمنح إنطباع بالإتساع. النوافذ البابية في الدور الأرضي مزينة بقطع فنية باستخدام فن التزجيج. أما بالنسبة للنوافذ فكل شرقية تحوي 5 نوافذ، بعضهم في بعض الأحيان مصمت؛ كما أن كل نصف قبة وعددهم 3 - والذين يحيطون بالقبة الرئيسية - لديها 14 نافذة، أما القبة الرئيسية فتحوي 28 نافذة 4 منهم مصمتين. الزجاج الملون للنوافذ عبارة عن هدية من سيادة إمارة البندقية للسلطان. أغلبية هذه النوافذ الملونة تم استبدالها الآن بنوافذ حديثة بقليل من أو بدون لمحة فنية تذكر.
أهم عنصر بداخل المسجد هو المحراب المُذهب المصنوع من رخام منحوت بشكل رفيع، حيث يزين أعلاه مقرنصات ولوحتين عليهما آيات من القرآن الكريم. الجدران المجاورة للمحراب مكسوة ببلاط السيراميك، ولكن العديد من النوافذ المحيطة بها جعلتها تبدو أقل روعة. على يمين المحراب نجد المنبر الذهبي المزخرف بأناقة الذي يعلوه شكل مخروطي. المسجد مصمم بطريقة بحيث يستطيع كل المصلين حتى في أوقات احتشاد المسجد وامتلائه بالكامل أن يروا ويسمعوا الإمام.
منظر داخلي للمسجد
الجناح السلطاني يقع في الركن الجنوبي الشرقي للمسجد، وهو يضم منبر و لوجيا وحجرتين صغيرتين للمقيمين في المسجد . تستطيع من الجناح السلطاني الوصول للمقصورة السلطانية في الجزء العلوي من المسجد .أصبحت حجرتين الإقامة في المسجد هي المقر الرئيسي للصدر الأعظم في أثناء العمل على إخماد تمرد الفيالق الإنكشارية عام 1826 في عهد السلطان محمود الثاني . نجد المقصورة السلطانية قائمة على عشر أعمدة رخامية، تحتوي على محراب خاص بها مُزين بأحجار اليشم الكريمة الوردية والذهبية [5] بالإضافة إلى 100 نسخة من القرآن موضوعة على حاملات مصاحف مٌطعّمة ومذهبة [6] .
العديد من المصابيح بداخل المسجد مغطاه بالذهب والأحجار الكريمة [7] و بين السلطانيات الزجاجية تستطيع أن تجد بيض النعام و الكرات الكريستالية [8] كل هذه الزينة قد تم إزالتها أو سُلبت لتوضع في المتاحف.
الأقراص الكبيرة الموجودة على الجدران منقوش عليها أسماء الخلفاء الراشدين وبعض آيات من القرآن الكريم وذلك بواسطة أعظم خطاطي القرن السابع عشر أحمد قاسم غباري وتم إعادة ترميمهم مرات كثيرة.
المنارات
منارات المسجد الأزرق الستة
العديد من المرشدين السياحيين كثيرًا ما يُخبرون السياح بقصة عن منارات المسجد على الرغم من عدم صحتها: أن مسجد السلطان أحمد هو أحد مسجدين موجودين في تركيا لديهم 6 مآذن. المسجد الأخر هو مسجد صبانجي المركزي في أضنة. وحين أعلن عن عدد مآذن المسجد المزمعة، ثارت انتقادات لتساويها مع عدد مآذن المسجد الحرام بمكة. فأمر السلطان أحمد بإضافة المئذنة السابعة للمسجد الحرام تعظيمًا له، ليزيد على مسجده بمئذنة. ولكن الحقيقة أن المسجد الحرام كان له بالفعل 7 مآذن قبل قرن من تشييد المسجد الأزرق.
هناك أربع مئآذن تقف في زوايا المسجد. كل واحدة من تلك المآذن التي تأخذ شكل القلم الرصاص تحتوي على ثلاث شُرف مزينة بطنف من الأسفل. أما المئذنتان الباقيتان اللتان يقعا في نهاية الساحة الكبيرة فبهما شُرفتان فقط.
في الماضي كان على المؤذن أن يتسلق السلم الحلزوني 5 مرات في اليوم لينادي إلى الصلاة، أما اليوم فيتم إستخدام السماعات، حيث يستطيع الأفراد سماع الآذان في الجزء القديم من المدينة، كما يُستطاع سماع ترديد الآذان من مساجد في الجوار. ويستمتع الأتراك والسياح بسماع أذان صلاة العشاء في الحديقة المواجهة للمسجد عند غروب الشمس وبجمال الأضواء التي تضيء المسجد ليلاً.
زيارة البابا بنديكت السادس عشر للمسجد
وفي زيارة قام بها البابا بنديكت السادس عشر واستمرت أربعة أيام لتركيا قام فيها بزيارة المسجد في 30 نوفمبر 2006. وبهذه الزيارة يكون بنديكت السادس عشر ثاني بابا في التاريخ يزور مسجدًا بعد الزيارة التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني إلى الجامع الأموي في دمشق خلال زيارة سوريا عام 2001 [9] . وفي أثناء زيارته للمسجد توجه البابا تجاه قبلة المسلمين -الكعبة- وأجرى صلاة صامتة حيث خلع حذائه وأغمض عينيه مدة دقيقتين ووقف بجوار مصطفى جاغرجي مفتي إسطنبول وأمر الله إمام وخطيب المسجد. [10]
شكر البابا العناية الإلهية لهذا وقال: ربما يستطيع كل المؤمنون أن يحددوا أنفسهم بإيمانهم بإله واحد وشهادتهم بالأخوة الحقيقية. وتنبأ البابا بأن تركيا ستكون جسرًا للصداقة والتعاون بين الشرق والغرب، كما قدم شكره للشعب التركي للمودة والتعاطف الذي أظهروه له أثناء إقامته بتركيا.[11]
زيارة اوباما للمسجد
اوباما يخلغ حذاءه إستعدادًا لدخول المسجد
قام الرئيس الأمريكي باراك اوباما بزيارة لتركيا في 6 أبريل 2009 قادمًا من العاصمة التشيكية پراگ أثناء مشاركته في قمة جمعته مع قادة 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، حث فيها قادة دول الاتحاد الأوروبي على قبول إنضمام تركيا عضوًا كاملًا في الاتحاد[12] . وكان اوباما في اليوم الثاني الأخير من زيارته الرسمية لتركيا التقى بمجموعة من علماء الدين المسلمين ورجال الدين المسيحيين واليهود. كما قام بجولة في عدد من معالم اسطنبول السياحية والدينية بينها المسجد و متحف آيا صوفيا[13] .