آيا صوفيا (بالتركية : AYA SOFYA وتعني باللغة اليونانية "الحكمة المقدسة"،وقد شُيد صرحها عند مدخل مضيق البوسفور في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول. أقيمت أيا صوفيا عام 537 ميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول الذي امتد حكمه من إسبانيا إلى منطقة الشرق الأوسط-
أيا صوفيا" صرح ديني تركي مهيب؛ يعظمه سكان البلاد من المسلمين والمسيحيين على السواء. وبعد أن كان أضخم كاتدرائية للمسيحيين الأرثوذوكس طوال تسعمئة عام، أصبح أحد أعظم مساجد المسلمين على مدى نحو خمسة قرون، ثم صار متحفا فنيا منذ 1934 بقرار سياسي. تعتبره منظمة اليونسكو من الآثار التاريخية المنتمية إلى الثروة الثقافية العالمية.
الموقع
يقال إن اسم أيا صوفيا يعني باللغة اليونانية "الحكمة المقدسة"، وقد شُيد صرحها عند مدخل مضيق البوسفور في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول بتركيا. ويُعرف موقعها اليوم بـ"منطقة السلطان أحمد".
المعمار
عندما بُنيت أيا صوفيا كانت تراد لها -من الناحية المعمارية- أن تكون أكبر كنيسة مسيحية، ودليلا على المقدرات التقنية المتقدمة للإمبراطورية البيزنطية السائدة آنذاك.
ويضم مبناها -الذي استغرق إنشاؤه خمس سنين ويمثل إحدى روائع الفن البيزنطي- قبة واسعةً يبلغ ارتفاعها 55.6 مترا وقطرها 32 مترا، وقائمةً على أربعة أعمدة ضخمة يصل ارتفاع كل منها 24.3 مترا. هذا إضافة إلى جدران بُنيت من الرخام المستجلب من بلدان عديدة، وزُينت بالفسيفساء الذهبية اللامعة والأحجار الملونة.
ويبلغ طول المبنى الرئيسي 82 مترا، وعرضه 73 مترا، وارتفاعها 55 مترا، ويُدخل إليه من تسعة أبواب. وقد غُطي سطحه بأحجار الفسيفساء، وزُينت الجدران -بعد تحويله إلى مسجد- بكتابات للخطاطين العثمانيين. كما أضيفت لها أربع مآذن أسطوانية الشكل على الطراز العثماني.
التاريخ
أقيمت أيا صوفيا عام 537 بأمر من الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول (527-565) -الذي امتد حكمه من إسبانيا إلى منطقة الشرق الأوسط- لتكون صرحا دينيا لا نظير له في العالم المسيحي، وعنوانا لقوة الدولة الرومانية الشرقية.
وظلت تمثل الكنسية الرسمية للدولة المسيحية البيزنطية وجوهرة عاصمتها القسطنطينية رغم تهدمها واحتراقها أكثر من مرة، إلى أن فتح السلطان العثماني محمد الثاني (الشهير بـ"محمد الفاتح") المدينة عام 1453 فغير اسمها إلى "إسطنبول"، ودخل هذه الكنيسة فصلى فيها أول جمعة بعد الفتح، وجعلها مسجدا كبيرا يرمز -في الاتجاه المعاكس- لقوة الدولة العثمانية وسيطرتها.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت أيا صوفيا جامعا إسلاميا عظيما يحظى برمزية كبيرة لدى الأتراك، إلى أن منع زعيمهم العسكري مصطفى كمال أتاتورك -الذي أنهى حكم الخلافة العثمانية عام 1923 وأعلن قيام جمهورية علمانية بدلا عنها- إقامة الشعائر الدينية فيه عام 1931، ثم حوله في 1935 إلى متحف فني يضم كنوزا أثرية إسلامية ومسيحية.
ولا يزال كثير من الأتراك يتطلعون إلى اليوم الذي يرجع فيه "متحف أيا صوفيا" مجددا إلى مسجد للمسلمين. ففي يوم 27 مايو/أيار 2012 أدى آلافُ المسلمين الصلاة أمام مبناه احتجاجا على قانون حظر إقامة الشعائر الدينية فيه، وذلك بمناسبة الذكرى الـ559 لانتصار السلطان محمد الفاتح وفتحه القسطنطينية. وهتف المحتجون: "اكسروا السلاسل.. وافتحوا مسجد أيا صوفيا.. المسجد الأسير".
وفي 2013 نشرت مجلة أكاديمية تركية بحثا للمؤرخ التركي يوسف هالاجوغلو واثنين من الباحثين قالوا فيه إنه لا يمكن استمرار جعل أيا صوفيا متحفا، لأن تحويلها إلى متحف تم بطريقة "غير شرعية" عبر تزوير توقيع أتاتورك على القرار المتعلق بالموضوع.
لكن رجب طيب أردوغان رد على هؤلاء المطالبين -حين كان رئيسا للوزراء عام 2013- بأنه لن يفكر في تغيير وضع أيا صوفيا ما دام هناك صرح إسلامي عظيم آخر في إسطنبول شبه خاو من المصلين وهو مسجد السلطان أحمد الذي يرجع بناؤه إلى القرن الـ17م، لافتا إلى أن المدينة فيها أكثر من ثلاثة آلاف مسجد.
ومع توالي المطالب بإعادة أيا صوفيا مسجدا؛ سمحت حكومة حزب العدالة والتنمية بفتح مسجد في الجزء الخلفي من المبنى، وكلفت أجملَ مؤذني إسطنبول أصواتا برفع الأذان من مبنى يقع في ساحة "أيا صوفيا"، ليتردد الأذان عبر مكبرات الصوت في مآذنه.
ثم أصدرت رئاسة الشؤون الدينية التركية في يونيو/حزيران 2016 قرارا بتلاوة القرآن يوميا في أيا صوفيا خلال شهر رمضان المبارك لسنة 1437 هجرية، وأطلقت من داخله برنامجا دينيا خاصا بليلة القدر بعنوان "خير من ألف شهر"، رفع في نهايته المؤذن التركي الشيخ فاتح قوجا الأذان من نفس الموقع الذي رفع منه آخر مرة بأيا صوفيا قبل 85 عاما، وهي مدة تساوي تقريبا "ألف شهر".
وقد انتقدت دولة اليونان هذه الخطوات ورأت أن "التصرف التركي يصل إلى حدود التعصب الديني، ويُظهر انفصاما عن الواقع، وأن هذه التصرفات ليست متوافقة مع المجتمعات الديمقراطية والعلمانية"، وتمثل "إهانة لمشاعر الملايين من المسيحيين".
كما طالب البطريرك برثلماوس الزعيم الروحي لنحو ثلاثمائة مليون مسيحي أرثوذوكسي في أنحاء العالم بأن يظل موقع أيا صوفيا متحفا.
وأصدرت المفوضية الأميركية للحرية الدينية في العالم -وهي هيئة استشارية شكلها الكونغرس من أعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري- بيانا قالت فيه إن إعادة أيا صوفيا مسجدا "سيعرض وضع تركيا الدولي للخطر، وسيعيد إلى الأذهان إساءة معاملتها للمسيحيين خلال القرن الماضي".
لكن الأتراك يقولون إنه لا يحق لليونانيين الاعتراض على قراءة القرآن في أيا صوفيا بعدما هدموا الكثير من الآثار العثمانية التي بقيت في بلادهم التي كانت لقرون خاضعة لحكم العثمانيين، وأساؤوا استخدام آثار أخرى لدرجة أن أحد مساجد مدينة سالونيك حُوّل إلى صالة سينما تعرض الأفلام الإباحية، كما أن أثينا من بين عواصم عالمية قليلة لا يُسمح فيها ببناء المساجد.
المكانة
يُنظر إلى أيا صوفيا باعتبارها معلما أثريا عالميا يعكس تنوع الإرث الحضاري لمدينة إسطنبول التي تقع على نقطة تقاطع حضاري بين الشرق والغرب، وكانت على مر التاريخ عاصمة للإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والعثمانية. وقد أدرجتها منظمة اليونيسكو الأممية عام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية.
لكنها تمثل رمزا ثقافيا عالميا له وزن خاص للمسيحيين الأرثوذوكس في كل مكان، وهي مقصد سياحي ديني للملايين منهم لما تجسده من دلالة دينية وعاطفية. وبالنسبة لليونانيين منهم خاصة فإنها رمز ذكرى قوية لفترة تاريخية تجسد آمالهم في مستقبل أفضل، لا بقصد التوسع والتمدد لكن من ناحية العزاء الديني المسيحي.
ومن الناحية الاقتصادية تأتي أيا صوفيا في المركز الثاني بين المتاحف التركية الأكثر جذبا للسياح؛ فقد استقطبت منهم عام 2012 نحو 3.3 ملايين زائر. ومن أشهر الشخصيات الدينية المسيحية التي زارتها في العقود الخمسة الأخيرة بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس السادس الذي أثار مفاجأة عندما جثا وصلى فيها خلال زيارته لتركيا عام 1967.
وفي مساء الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 زارها خليفته البابا السابق بنديكت السادس عشر ثم اتجه منها إلى زيارة المسجد الأزرق، متخطيا بذلك الجدل الكبير الذي أثير حول زيارته لهذين المكانين. ثم كرر زيارتها خلفه البابا فرانشيسكو يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.